قصة الحرة تبقى حرة
جاء شاب من أبناء أعيان أحد المدن إلى مدينة أخرى لطلب العلم، ومع مرور الأيام اتصل باعيانها الذين حين تعرّفوا عليه أحبوه وقرّبوه واستحدثوا له وظيفة في بلاط الوالي، فلما أحب المدينة واستأنس باهلها إشترى دارا فيها واثثها وأقام بها، وصار يوزع وقته بين العمل والدراسة.
كان الشاب لا يجد وقتا لاموره من غسيل وطبخ بسبب انشغاله بما تقدم، فقرر أن يشتري جارية تخدمه وتقوم بشؤون بيته.
نزل الشاب إلى سوق النخاسة وبدأ يبحث إلى أن وقعت عيناه على جارية حسناء جميلة ذات وجه كالبدر وقوام كالمهرة، فلم يستطع أن يقاوم جمالها وتقدم لشرائها.
بعد مفاوضة بالسعر دُفع الثمن وكُتب الصك، فتهيأت الجارية للانصراف مع سيدها الجديد، ولكنها قبل خروجها معه تصرفت بتصرف مفاجئ وذلك أنها عادت للنخّاس ولطمته لطمتََا على وجهه كادت أن تفتل حنكه، فجحظت عيناه وسط ذهول الجميع، فأراد الإنتقام ورد الصفعة، فوقف الشاب بينه وبينها وأخبره أنها ليست ملكه الآن كي يتصرف معها بأي تصرف، وولي أمرها هو سيدها الجديد فقط، فاخذ النخاس يلحّ عليه أن يرد له الجارية بأي ثمن يطلبه حتى لو كان ضعف ما اشتراها به، فأخبره الشاب أن الجارية ليست للبيع، ونصحه أن ينسى ما حدث حتى لا ينتشر خبر صفع الجارية للنخاس ويصبح اضحوكة للجميع
إنطلق الشاب وجاريته إلى بيته، وأعدّ لها الحمام فاستحمت و الطيب فتطيبت، ثم ما أن فرغت حتى وجدته قد أعد لها ما لذ و طاب من الطعام، فجلست معه على المائدة تأكل بنهم وتنظر له بارتياح تعلوه إبتسامة بريئة، حتى زال ما بينها وبينه من ريبة واضطراب، ثم جالسته تسامره،
فقالت له: لمَ لم تسألني لماذا صفعت الرجل؟
فقال: جواب عرفته فلمَ انتظره؟ وما اظنكِ لطمتيه إلا إنتقاما لا تعدّيا.
قالت: صدقت، ولكن هل عرفت كان انتقاما ممَ؟
قال: حرةٌ استُعبدَت، وأريدَ بها أن تُرَوَض فما رُوضَت، فعذِّبَت و أوذيَت.
قالت في ذهول: صدقت!! والله ما مر عليّ امرؤٌ مثلك، فكيف عرفت كل هذا؟!
قال: علمٌ به انتفعت، واصلٌ به ارتفعت، وخُلُقٌ له رَجعت.
فقالت: وهل ثلاثتهم ابلغوك عن وَجَعَ الرّق وذُلّ العبودية؟!
فقال الشاب دون تردد: اذهبي فانتي حرّة.
خرجت الفتاة من عنده وقد أصبحت حرة، ثم عادت بشيخ وشاهدين، وقالت: حمقاء من عرفتك ثم فرّطت بك، واني قد زوجتك نفسي.
إرسال تعليق